نطلق السياسة الاجتماعية لرعاية الأحداث الجانحين من الجنسين في المملكة العربية السعودية من الشريعة الإسلامية، وإنّ ما أمكن التوصل إليه في هذا العهد الزاهر عهد خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - وما تم اقتباسه مما جاءت به الشريعة الإسلامية السمحة يمثل ذروة التقدم في هذا المجال، إذ تعد الشريعة الإسلامية التقويم الخلقي والدعامة الأولى التي يقوم عليها المجتمع المسلم، فعُنيت بالتوجيه والإرشاد التربوي، والتهذيب النفسي، والتقويم الخلقي إلى أبعد حد حتى تطهر نفوس أفراد المجتمع من الأحقاد وأسباب الانحراف.
ومشكلة انحراف الأحداث هي مشكلة ذات أبعاد بيولوجية ونفسية واجتماعية ترتبط بضعف التنشئة الاجتماعية وسوء التكيف الاجتماعي، ولا يمكن بحال تناول هذه المشكلة بمعزل عن السياق الاجتماعي الذي يحوي بنية المجتمع ونظمه والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية الجارية فيه.
وعلى هذا الأساس فإن مشكلة انحراف الأحداث في المجتمع السعودي رغم كونها - بفضل الله - ضيقة النطاق تعد نتاج تلك المتغيرات التي واكبت النمو الاقتصادي الهائل للمملكة وما نتج عنه من نمو عمراني وحضاري كبير وتطور في الأنشطة التجارية والصناعية والزحف السكاني من البادية والريف إلى مراكز النمو الحضرية، مما خلف ضعفاً في الرقابة الأسرية وزيادة وقت الفراغ لدى الأحداث وهو ما قد يودي ببعضهم إلى صرف وقت فراغهم بسلوك منحرف.
وقد ارتكزت مبادئ رعاية الأحداث الجانحين بالمملكة وما تزال على عدد من المفاهيم والنظريات المستمدة من الشريعة الإسلامية، منها النظر إلى الحدث الجانح على أنه مريض يجب علاجه لا مجرماً يتحتم عقابه، ومن ثم النظر إلى أنه ما دام أن جنوح الأحداث وانحرافهم يتعلم ويمارس فحري بحسن الخلق والسلوك القويم أن يتعلم ويمارس أيضاً وذلك من خلال التهذيب والتعليم والتقويم والتوجيه.
لذا كانت رعاية الأحداث الجانحين أو المعرضين لذلك من أولويات الرعاية في المملكة، حيث بدأت الرعاية المؤسسية الخاصة بهم عام 1374هـ فأنشئت بمدينة الرياض أول مؤسسة لرعاية وإصلاح الأحداث الجانحين والمعرضين لذلك منهم كخط دفاع اجتماعي أولي ضد انحراف الصغار والأحداث، وتحددت أهدافها آنذاك في ( رعاية الأحداث الجانحين والذين يرتكبون من الجرائم ما يعاقب عليها الشرع الحنيف، وكذلك الأحداث المارقين على سلطة آبائهم وأولياء أمورهم، وكذلك الأحداث المعرضين للانحراف لاضطراب وسطهم الأسري أو المدرسي).
وفي عام 1378هـ ألحقت هذه الدور بالرئاسة العامة لدور الأيتام، وبإنشاء وزارة العمل والشؤون الاجتماعية عام 1380هـ أُسندت مسؤولية هذه الدور لقسم الشؤون الاجتماعية بالوزارة، وتضافرت جهود وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ووزارة الداخلية والهيئة القضائية فحظيت برامج رعاية الصغار والأحداث بالرعاية القضائية التربوية التوجيهية والتقويمية.
ومن خلال حركة التطوير التي قامت بها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في عام 1382هـ عدّل اسم الدور التي ترعى الأحداث المنحرفين والمعرضين للانحراف من الجنسين إلى ( دور الملاحظة الاجتماعية و دور التوجيه الاجتماعي إضافة إلى مؤسسات رعاية الفتيات ) كما أنشئت إدارة رعاية الأحداث لتشرف على تلك الدور ولتعمل من أجل تحقيق أسس التوجيه والإصلاح والتقويم والتأهيل الاجتماعي للأحداث المنحرفين ( كجانب علاجي) والمعرضين للانحراف من الجنسين ( كجانب وقائي ) وفقاً لتعاليم الشريعة الإسلامية السمحة والأساليب العلمية الحديثة، وفي ضوء ذلك تصبح أهداف رعاية الأحداث الجانحين أو المعرضين لذلك هي إصلاحهم وتقويم سلوكهم على أساس أنهم قد ضلوا الطريق أو تهيأت لهم أسباب ذلك، وأصبحوا بحاجة إلى من يأخذ بأيديهم، ويذلل أمامهم الصعوبات والعقبات ويرشدهم إلى الصراط القويم.
أولاً:- البرامج الوقائية لرعاية الأحداث المعرضين للانحراف:-
تأخذ البرامج الوقائية لرعاية الأحداث المعرضين للانحراف نمطاً يختلف في مفهومه وأهدافه عن البرامج العلاجية الموجهة لرعاية الأحداث المنحرفين، وتقدم تلك البرامج من خلال دور التوجيه الاجتماعي التي تعنى برعاية الأحداث المعرضين للانحراف.
* دور التوجيه الاجتماعي:-
وتعنى بتحقيق أسس التربية والتقويم والإصلاح والتأهيل السليم لفئات الأحداث المعرضين للانحراف ممن تتراوح أعمارهم بين سبع سنوات ولا تتجاوز ثماني عشرة سنة من المارقين عن سلطة أولياء أمورهم أو المشردين نتيجة لأوضاع أسرهم أو المهددين بالانحراف لاضطراب وسطهم الأسري، إذ تعتمد هذه الدور في خططها على مواجهة تلك الانحرافات باتخاذ التدابير الوقائية من خلال الاكتشاف المبكر للأحداث الذين تظهر عليهم بوادر الانحراف وفقاً لمعايير علمية وأسس تربوية سليمة، وتؤدي التدابير الوقائية التي تنتهجها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وظيفة هامةً في مواجهة جنوح الأحداث استناداً إلى أن الوقاية خير من العلاج، وتهتم البرامج الوقائية بحالات المعرضين للانحراف نتيجة لتوافر ظروف أسرية أو عوامل بيئية غير سليمة تعرضوا لها وانعكست آثارها عليهم، حيث يتم عزل هؤلاء الأحداث عن العوامل النشطة التي قد تكون سبباً رئيسياً في انحرافهم، وتهتم هذه البرامج بتوفير المناخ والبيئة المناسبة للأحداث المعرضين للانحراف بهدف تأهيلهم ليكونوا مواطنين صالحين.
وللحصول على خدمات تلك الدور يتقدم ولي أمر الحدث المعرض للانحراف بطلب إلحاقه بالدار، ومن ثم تستكمل الدار الإجراءات النظامية ومسوغات القبول والتي تشمل دراسة اجتماعية ونفسية وطبية شاملة يتقرر على ضوئها مناسبة إلحاق الحدث بالدار أو تقديم حلول بديلة بحيث يكون الإلحاق بالدار آخر الحلول المقترحة.
ويشترط للقبول بتلك الدور ما يلي:-
أن يكون من الفئات التالية:-
- المارقين من سلطة آبائهم أو أولياء أمورهم.
- المشردين الذين لا مأوى لهم.
- المهددين بالانحراف لاضطراب وسطهم الأسري.
- أن لا يقل عمر الحدث عن سبع سنوات ولا يزيد على ثماني عشرة سنة.
- أن يثبت البحث الاجتماعي حاجته إلى الرعاية داخل الدار.
- أن يثبت الفحص الطبي سلامته من الأمراض التي تعوق استفادته من خدمات الدار.
ثانياً:- البرامج العلاجية لرعاية الأحداث المنحرفين:-
وتقدم تلك البرامج لكلا الجنسين - ممن وقعوا ضحية لظروف اجتماعية ونفسية قاهرة أجبرتهم على الجنوح إلى مواطن الزلل - من خلال دور الملاحظة الاجتماعية، ومؤسسات رعاية الفتيات.
1. دور الملاحظة الاجتماعية:-
وهي دور تعنى بتحقيق أسس الرعاية والتوجيه الخلقي والديني وكذا الرعاية الصحية والتربوية السليمة للأحداث الجانحين الذين يحتجزون رهن التحقيق أو المحاكمة أو الذين يقرر القاضي إبقاءهم في الدار ممن لا تقل أعمارهم عن سبع سنوات ولا تتجاوز ثماني عشرة سنة ممن يتم القبض عليهم من قبل السلطات الأمنية لارتكابهم أي مخالفات تستوجب تأديبهم وإعادة الحقوق لأصحابها، وتتحدد مدة الحجز بتلك الدور بقرار من قاضي الأحداث يحدد المدة الزمنية لمكوث الحدث بدار الملاحظة وفق ما تتطلبه الخطة العلاجية، سعياً للقضاء على الآثار السلبية التي تنتج عن إيداع الأحداث الجانحين بالسجون جراء اختلاطهم بسجناء يكبرونهم سناً أو بأصحاب السوابق، الأمر الذي حدا بالدولة - أيدها الله - إلى إنشاء دور خاصة للأحداث الجانحين بهدف تقديم الرعاية العلاجية والوقائية لهم، حيث أنشئت أول دار للملاحظة الاجتماعية بمدينة الرياض بتاريخ 24/10/1392هـ وتوالى بعد ذلك الوقت افتتاح دور الملاحظة الاجتماعية.
ولتحقيق الهدف المنشود من تلك الدور فإن كافة إجراءات التحقيق والمحاكمة تجرى داخل دار الملاحظة وفي ظروف اجتماعية ونفسية ملائمة انطلاقاً من الإيمان الراسخ بأن تأديب الحدث وعقابه ليس معناه الانتقام منه، وإنما كما يقول بعض الفقهاء أنه تأديب وإصلاح وزجر يختلف بحسب اختلاف الذنب استوجبته المصلحة العامة والخاصة، فهو دفع الفساد عن الناس، وتحقيق السلامة والصيانة لهم، وأنه شُرِعَ رحمة من الله تعالى بعباده، فهو صادر عن رحمة الخلق وإرادة الإحسان إليهم، لذا ينبغي لمن يعاقب الناس على ذنوبهم أن يقصد بذلك الرحمة بهم، كما يقصد الوالد تأديب ولده، وكما يقصد الطبيب معالجة المريض.
وتسعى دور الملاحظة الاجتماعية للعمل لدراسة أسباب مشكلات الأحداث الجانحين وإيجاد الحلول المناسبة لها، كما تعتمد في خططها على الجانب العلاجي للأحداث الجانحين حيث تنظم دور الملاحظة للموقوفين بها البرامج الهادفة والأنشطة الموجهة المتنوعة لمقابلة احتياجاتهم مع تعديل بعض المفاهيم الخاطئة وتغيير سلوكهم إلى الأفضل وتحقيق التكيف السليم لهم، وتعد دور الملاحظة الاجتماعية بيتاً اجتماعياً لملاحظة الأحداث الجانحين وتفهم مشكلاتهم، ودراسة سوء توافقهم، وتشخيص عللهم السلوكية والانحرافية، لتقديم العون والمساندة والرعاية لهم لتمهيد طريق إعادة تقويمهم وإصلاحهم وتمكينهم من التخلص من عيوبهم وانحرافاتهم وإعادتهم إلى المجتمع وقد عاد إليهم توافقهم النفسي والاجتماعي ليسهموا في بناء صروح تنمية ونهضة وتقدم وطنهم نافعين لأنفسهم وأسرهم ومجتمعهم.
البرامج والأنشطة التي تقدم داخل دور الملاحظة الاجتماعية:-
لا تختلف كثيراً تلك الأنشطة والبرامج المنفذة بدور الملاحظة الاجتماعية عما ينفذ بدور التوجيه الاجتماعي، إلا أن الفارق بينهما هو تسخير تلك الأنشطة فيما يخدم خطط كل دار وما تركز عليه إما وقائياً أو علاجياً أو عليهما جميعا حيث تشمل الأنشطة البرامج التالية:-
أ- النشاط الثقافي والتوجيهي.
ب- النشاط الاجتماعي.
ج- النشاط الفني والمهني.
د- النشاط الرياضي.
مؤسسات رعاية الفتيات:-
وهي مؤسسات تعنى بتحقيق أسس الرعاية والتقويم الاجتماعي وتقوية الوازع الديني للفتيات السعوديات اللاتي تعرضن لظروف اجتماعية ونفسية قاهرة أجبرتهن على التعثر وتنكب الطريق المستقيم، والعمل لتحقيق الرعاية الصحية والتربوية والتعليمية والتدريبية السليمة للفتيات الجانحات السعوديات اللاتي يحتجزن رهن التحقيق أو المحاكمة، وكذلك اللاتي يقرر القاضي بقاءهن في المؤسسة ممن تقل أعمارهن عن ثلاثين سنة.
ويلحق بتلك المؤسسات الفتيات السعوديات اللاتي يتم احتجازهن من قبل السلطات الأمنية لارتكابهن محذورات أو وجدن في ظروف غير مقبولة، وتجرى كافة إجراءات التحقيق والمحاكمة داخل المؤسسة وفي ظروف اجتماعية ونفسية ملائمة انطلاقاً من القناعة بأن تأديب الفتاة وعقابها ليس معناه الانتقام منها، وإنما كما يقول بعض الفقهاء أنه تأديب وإصلاح وزجر يختـلف بحسـب اختلاف الذنب استوجبته المصلحة العامة والخاصة، فهو دفع للفساد عن النـاس، وتحقيـق السلامة والصيانة لهم، وأنه شُرِعَ رحمة من الله تعالى بعباده، فهو صـادر عن رحمة الخلق وإرادة الإحسـان إليهم، لذا ينبغي لمن يعاقب الناس على ذنوبـهم أن يقصد بذلك الرحمة بهم، كما يقصد الوالد تأديـب ولده، وكما يقصد الطـبيب معالجة المريض.
وتعتمد تلك المؤسسات في خططها على البرامج العلاجية وتنظم للملحقات بها عدداً من البرامج الهادفة والأنشطة الموجهة والمناسبة لخصوصيتهن وذلك لمقابلة احتياجاتهن وتعديل سلوكهن للأفضل وتحقيق التكيف السليم حيث تأتي برامج مؤسسات رعاية الفتيات بمثابة خط دفاع اجتماعي أولي لحماية بعض الفتيات والنسوة اللاتي تنكبن الطريق ووجدن العثرات في طريقهن، والمعوقات التي أعاقت حسن توافقهن واستقامتهن وتعرضن للجناح والانحراف، فمؤسسة رعاية الفتيات بمثابة البيت الاجتماعي الآمن والعائل الأمين بإيوائهن وبحث حالاتهن وتفهم مشكلاتهن والتعرف عن قرب على أسباب تلك المشكلات التي أدت إلى اضطراب أحوالهن وسلوكهن، وعلاج تلك المسببات بإعادة تقويم نفوسهن بالتربية الصالحة، وإعادة تأهيلهن وتدريبهن على ما ينفعهن في مستقبل حياتهن، وإعادتهن إلى جادة الصواب، فإذا صلحت الفتاة صلحت الأسرة التي بصلاحها يصلح المجتمع وتصان عافيته وصحته الاجتماعية.