العمل مع جماعات المسنين وأسرهم.
تؤكد كثير من الدراسات النفسية والاجتماعية المتخصصة على أن كبار السن يواجهون عددا من المشكلات التي تقف عائقا أمام توافقهم النفسي والاجتماعي من بينها مشكلات طول وقت الفراغ، والعزلة، والاكتئاب، والقلق من الموت، وضعف العلاقات الاجتماعية، والإنطواء الاجتماعي، وعدم إشباع حاجتهم إلى الأمن والاحترام والاعتماد على النفس وغيرها من المشكلات التي تحتاج منا (كمتخصصين) إلى الاهتمام بها والتعامل معها بطريقة مهنية تعمل على تخليص هذه الفئة من آثارها.
وتعتبر الجماعات من أهم الآليات التي يعتمد عليها المختصون في مجال مهن المساعدة الإنسانية لمساعدة الناس في إشباع حاجاتهم النفسية والاجتماعية، وتحسين علاقاتهم بأنفسهم وبالمحيطين بهم ، وتحسين أوضاعهم البيئية والاجتماعية، وحل مشكلاتهم النفسية والاجتماعية. فمن خلال عمليات الجماعة وعمليات التفاعل والتعاون المشترك بين أعضاء الجماعة وتبادل الآراء والأفكار والمشاعر والخبرات يمكن مساعدة الأعضاء على النمو النفسي والاجتماعي، وتعزيز استقلاليتهم، وتحقيق أهدافهم الشخصية والجماعية المشتركة.
والعمل مع الجماعات هو منهج من مناهج التدخل والعلاج في مهن المساعدة الإنسانية التي تهدف إلى وقاية أعضاء الجماعة أو المستفيدين، وتوفير الدعم والتعاطف والمعونة النفسية، وعلاج مشكلات سوء التوافق الاجتماعي والاضطرابات النفسية، هذا بالإضافة إلى التعليم، والنمو، والتنشئة الاجتماعية.
ويتم هذا النوع من التدخل عن طريق استخدام جماعات صغيرة العدد – من (3 إلى
أفراد في الغالب، تجتمع على فترات منتظمة - أسبوعيا -، مع شخص مختص يسمى قائد الجماعة، في مكان معين يحدده القائد، ولمدة زمنية محددة يتفق عليها أعضاء الجماعة، لممارسة بعض الأنشطة الموجه أو المبرمجة التي تساعدهم في تحقيق أهدافهم الشخصية وأهداف الجماعة ككل وذلك من خلال الحوار العلاجي الموجه والتعليم والتدريب والتمرين والألعاب الرياضية والأنشطة الترويحية ولعب الأدوار والفنون والمناقشة.
ومن هذا المنطلق نستطيع أن نستخدم الجماعة كوسيلة للتعامل مع مشكلات كبار السن وإشباع حاجاتهم النفسية والاجتماعية، وهذا ليس بالأمر الجديد فقد بدأ الاهتمام بالعمل مع جماعات المسنين منذ فترة مبكرة لكنها ركزت في بداياتها الأولى على تحقيق أهداف محدودة كالترويح والعمل المجتمعي، ثم تنوعت هذه الأهداف فشملت بالإضافة إلى ما ذكر أهدافا أخرى كإعادة التأهيل، وتعديل السلوك والاتجاهات والعادات غير المرغوبة، وإشباع الحاجات النفسية والاجتماعية، وحل المشكلات النفسية والاجتماعية، وإكساب المهارات الشخصية والاجتماعية.
وأخيرا يمكن القول أن الجماعات التي نستخدمها مع كبار السن تختلف باختلاف الأهداف التي تسعى هذه الجماعات إلى تحقيقها ويمكن أن نلخص أهم أنواع هذه الجماعات في التالي:
1- جماعات الذكريات.
2- جماعات العلاج النفسي.
3- جماعات الواقع.
4- جماعات القائمين على رعاية كبار السن.
فجماعات الذكريات هي الجماعات التي تهدف إلى مساعدة كبار السن للمحافظة على صحة نفسية جيدة وذلك من خلال تذكر ما قاموا به في الماضي من أعمال إيجابية والتحدث عن إنجازاتهم خاصة تلك التي تشعرهم بالرضا والفخر والاعتزاز، وتساعدهم في توضيح أدوارهم ومسؤولياتهم الأسرية والمجتمعية، والتكيف مع الضغوط النفسية والاجتماعية. وهذا النوع من الجماعات لا يحتاج إلى وقت طويل حيث يمكن لمثل هذه الجماعات أن تحقق أهدافها من خلال جلستين إلى خمسة جلسات. ويفضل أن تكون جماعات الذكريات جماعات صغيرة العدد من (10 إلى 15) عضوا، وأن يشترك أعضاؤها في الاهتمامات لكي يمكن تحقيق درجة عالية من الانسجام بين أعضاء الجماعة.
أما جماعات العلاج النفسي فإنها تعمل على مساعدة كبار السن في حل كثير من مشكلاتهم النفسية والاجتماعية، وتعتمد في تدخلها على استخدام العمليات المهنية الأساسية كالدراسة والتشخيص والعلاج والمتابعة التي يعتمد عليها المختصون في مجال مهن المساعدة الإنسانية لتحقيق أهدافهم من عملية التدخل والمساعدة، حيث تقوم الجماعة بمناقشة مشكلات محددة تواجه أعضاء الجماعة وتعمل على دراستها دراسة علمية منظمة، وتشخيصها تشخيصا مناسبا، والوصول إلى أساليب تدخل مناسبة لحلها وعلاجها. وتهتم جماعات العلاج النفسي اهتماما كبيرا بالعلاقة بين القائد وأعضاء الجماعة، وتعتمد في تدخلها لتحقيق أهدافها على واحدة أو أكثر من النظريات النفسية والاجتماعية كنظرية التحليل النفسي، ونظرية الدور، والنظرية النفسية الاجتماعية، ونظرية تعديل السلوك، ونظرية الأزمة وغيرها من النظريات التي تساعد في فهم السلوك الإنساني وتعديله. ويتلخص دور القائد في تحديد أهداف الجماعة، واختيار الأعضاء، وتوجيه عمليات التفاعل بما يضمن تحقيق أهدافها، ومساعدة أعضاء الجماعة في دراسة المشكلات وتشخيصها ووضع خطط العلاج المناسبة التي تسهم في حلها. وأخيرا يمكن القول أن جماعات العلاج النفسي تحتاج إلى قائد متمرس يمتلك المعرفة والخبرة والمهارة التي تؤهله للعمل مع هذا النوع من الجماعات.
أما جماعات الواقع فهي على العكس من جماعات الذكريات حيث تركز هذه الجماعات على الحاضر والمستقبل أكثر من تركيزها على الماضي، وتهدف هذه الجماعات إلى مساعدة كبار السن للتعامل مع الحاضر من خلال تذكر وتعلم الأسماء والوقت والمكان والحوادث والموضوعات المهمة في حياتهم الحالية. ومن فوائد هذا النوع من الجماعات أنها تساعد كبار السن في التخلص من مشاعر الضيق والانزعاج الناتج عن النسيان، حيث أن هذه المشاعر لو تركت لأدت إلى العزلة والقلق وتجنب مخالطة الآخرين ومشاركتهم أنشطتهم. ومن أهم ما يميز هذا النوع من الجماعات هو اعتمادها على أساليب ومهارات مختلفة ومتنوعة كمهارات الشرح والتوضيح التي يستخدمها القائد لمساعدة أعضاء الجماعة على تذكر هذه الجوانب في حياتهم، كما أنها تتميز بقصر مدة العمل حيث يمكن تحقيق أهداف الجماعة خلال (3 إلى 6) جلسات.
أما جماعات القائمين على رعاية كبار السن فهي جماعات تهدف إلى توفير المساندة الاجتماعية لهذه الفئة من أفراد المجتمع وتعزيز قدراتهم على تفهم حاجات ومطالب كبار السن وتفهم مشاعرهم وسلوكياتهم واتجاهاتهم، وتعلم أساليب وسلوكيات جديدة للتعامل معهم، وحثهم وتشجيعهم لتوفير الدعم والتعاطف والمساندة الاجتماعية اللازمة، ومساعدتهم للتكيف مع أوضاعهم الاجتماعية وتحمل مسؤولية رعاية كبار السن واتخاذ القرارات المناسبة بشأن رعاية ذويهم، وتعلم واكتساب مهارات وأنشطة جديدة تساعدهم في تدعيم علاقاتهم الاجتماعية وتحسين عمليات الاتصال بينهم وبين كبار السن، ومساعدتهم على تجاوز وحل الخلافات التي تنشأ بينهم وبين ذويهم من كبار السن. وهذا النوع من الجماعات أيضا لا يحتاج إلى وقت طويل حيث يمكن أن يحقق هذا النوع من الجماعات أهدافه خلال (3 إلى 5) جلسات، وعلى القائد الاهتمام بتحديد أهداف الجماعة بصورة دقيقة وألا يبالغ في التعامل مع جوانب متعددة قد تؤدي إلى عدم استفادة الأعضاء من العمل الجماعي.